- موضوعات متنوعة / ٠3دورات للطلاب الأجانب / ٠2دورة عام 1999
- /
- ٠1عقيدة
السميع البصير
السمع يراد به إدراك الصوت، ويراد به فهم المعنى، ويراد به القبول والإجابة، والثلاثة في القرآن.
فمن الأول قوله:
﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)﴾
وهذا أصرح ما يكون في إثبات صفة السمع له، كما قالت عائشة رضي الله عنها: الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا في جانب البيت، وإنه ليخفى علي بعض كلامها، فأنزل الله:
﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾
فالسميع: الذي قد استوى في سمعه سر القول وجهره، وسع سمعه الأصوات ؛ فلا تختلف عليه أصوات الخلق، ولا تشتبه عليه، ولا يشغله منها سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يبرمه كثرة السائلين.
والثاني: سمع الفهم كقوله:
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾
أي: لأفهمهم.
والثالث: سمع القبول والإجابة ؛ كقوله تعالى على لسان الخليل:
﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)﴾
ـ ومرة يقرن السمع بالعلم، ومرة بالبصر وذلك حسب حال المستعيذ.
فإنه يستعيذ به من عدو يعلم أن الله يراه ويعلم كيده وشره، فأخبر الله تعالى هذا المستعيذ أنه سميع لاستعاذته، أي مجيب عليم بكيد عدوه يراه ويبصره، لينبسط أمل المستعيذ، ويقبل بقلبه على الدعاء.
وتأمَّل حكمة القرآن كيف جاء في الاستعاذة من الشيطان الذي نعلم وجوده ولا نراه بلفظ السميع العليم في الأعراف وحم السجدة قال تعالى:
﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)﴾
وقال عزَّ وجل:
﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)﴾
وجاءت الاستعاذة من شر الإنس الذين يُؤنَسون ويُرَون بالأبصار بلفظ السميع البصير في سورة حم المؤمن فقال:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)﴾
لأن أفعال هؤلاء أفعال معاينة ترى بالبصر، وأما نزغ الشيطان فوسواس وخطرات يلقيها في القلب، يتعلَّق بها العلم، فأمر بالاستعاذة، بالسميع العليم فيها، وأمر بالاستعاذة، بالسميع البصير في باب ما يُرى بالبصر ويُدرك بالرؤية.
كما جرت عادة القرآن بتهديد المخاطبين وتحذيرهم بما يذكره من صفاته التي تقتضي الحذر والاستقامة، كقوله:
﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)﴾
وقوله:
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (134)﴾
والقرآن مملوءٌ من هذا، وعلى هذا فيكون في ضمن ذلك أني أسمَعُ ما يردُّون به عليك، وما يقابلون به رسالاتي، وأُبْصِرُ ما يفعلون.